تعد مكتبة الإسكندرية القديمة من أكبر المنجزات الحضارية في تاريخ مصر، بناها البطالمة لترسيخ حقيقة أن الإسكندرية عاصمة مملكتهم الجديدة هي مركز الإشعاع الحضاري الأكبر في العالم الهلينيستي.
المكتبات في مصر القديمة
ساعدت عدة عوامل على انتشار المكتبات في مصر القديمة، فمع تطور الكتابة المصرية، وتركيز رجال الدين والكهنة في المعابد على الكتابة والتعليم، تم إنشاء العديد من المكتبات وكان الغرض منها حفظ كل ما يتعلق بالكتابات الدينية، بجانب حفظ سجلات ووثائق الدولة.
وكان الانتشار الكبير لنبات البردي سبباً في ازدهار المكتبات، حيث كان البردي يستخدم للكتابة بديلاً للورق الذي نستخدمه في عصرنا الحالي، وعليه سجل المصريون كل ما يتعلق بأمور الدين والدولة، فامتلأت المكتبات الملحقة بالمعابد وبقصور الحكام بالآلاف من لفائف البردي التي كانت بمثابة الكتب والسجلات.
المكتبات في بلاد اليونان
يُعد اليونان أول من أنشأ المكتبات العامة كي يستخدمها عامة الناس، بعكس المكتبات في مصر الفرعونية والتي كان استخدامها مقتصراً على الكهنة ورجال البلاط وكبار موظفي الدولة.
وبما أن اليونان قد اعتُبِروا ورثة لحضارات الشرق، وعملوا على تطويرها، فقد استخدموا كلمة "بيبليوثيكا Bibliotheca" للدلالة على المكتبة، الجزء الأول Biblio يعني لفائف البردي، و Theca تعني المكان الذي تُوضع فيه الكتب.
ولا تزال تلك الكلمة مستخدمة في وقتنا الحاضر للدلالة على مكتبة الإسكندرية الجديدة، وعلى المكتبة في البلاد التي ترجع أصول لغتها للغة اللاتينية؛ مثل إسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا.
مكتبة الإسكندرية القديمة
اختفت مكتبة الإسكندرية الكبرى والمعبد الملحق بها "الموسيون Mouseion" (مجمع آلهات الفنون) من الوجود منذ زمنٍ سحيق، وأغلب المعلومات عن تلك المكتبة تم الحصول عليها من النصوص الخاصة بالآثار القديمة، وأبحاث بعض المؤرخين والباحثين.
كانت مكتبة الإسكندرية القديمة صرحاً حضارياً يمتلئ بروائع الكتب والمجلدات.
إنشاء المكتبة
ترجع فكرة إنشاء المكتبة إلى مؤسس دولة البطالمة في مصر "بطليموس الأول - سوتير"، أما البناء وتنفيذ الفكرة فيرجع إلى ابنه "بطليموس الثاني - فيلادلفوس" الذي حكم مصر في الفترة من 285 ق.م. حتى 246 ق.م.
تبنى بطليموس الثاني مشروعاً حقيقياً لجعل الإسكندرية عاصمة للحضارة الهلينية، وكان تأسيس مكتبة الإسكندرية القديمة من أبرز ملامح هذا المشروع.
كانت المكتبة في الواقع مقسمة إلى قسمين، المكتبة الكبرى في الحي الملكي، والمكتبة الصغرى في معبد الإله "سيرابيس" بمنطقة "السيرابيوم".
محتويات المكتبة
كانت الكتب الموجودة في المكتبة مدونة على رقائق البردي، ومتخذة هيئة اللفائف، وكان عددها ضخماً، ويُقدر بمئات الآلاف.
كان طول البردية الملفوفة يصل إلى ستة أمتار وهي غير مطوية، وفي الغالب كانت الكتابات تُدون على وجه واحد من البردية، كما أن عدداً من الكتب كان يتطلب أكثر من بردية واحدة.
وقد خص ملوك البطالمة مكتبة الإسكندرية بأموال ضخمة، للعمل على جعل الإسكندرية مركزاً عالمياً للثقافة والفنون، وبالتالي تنتقل لها ريادة النشاط الفكري، لتحل محل أثينا التي تبؤات تلك المكانة لعدة قرون.
عمل ملوك البطالمة على جمع أدب اليونان في مكتبة الإسكندرية، فقيل أنهم كانوا يصادرون ما تحمله السفن من كتب عند رسوّها بميناء الإسكندرية، وكانوا عندما يستعيرون الأعمال الأدبية اليونانية، يحتفظون بالنص الأصلي ويعيدون نسخة منه فقط.
النشاط العلمي في المكتبة والموسيون
اجتذب الموسيون الملحق بمكتبة الإسكندرية القديمة العديد من رواد العلم في زمن بطليموس الثاني على وجه الخصوص.
من أشهر العلماء الذين قصدوا الإسكندرية، وقاموا بأبحاثهم العلمية المتميزة فيها:
إقليدس عالم الرياضيات الشهير.
اراتوسثنيس الجغرافي الذي قدر قطر الأرض ووصل لنتيجة تقترب كثيراً من الحقيقة.
أرخيميدس صاحب قاعدة الطفو والعديد من القوانين الميكانيكية والفيزيائية.
هيروفيلوس رائد علوم التشريح.
تدمير المكتبة الكبرى وزوالها
في المراحل المتأخرة لدولة البطالمة في مصر، زاد تدخل الرومان في شئون البلاد، وكان لهم دوراً ملحوظاً في الصراعات على العرش داخل البلاط البطلمي، وكان التدخل الروماني يصل في كثير من الأحيان لتحركات عسكرية حقيقية.
في عام 47 ق.م. تدخل القائد الروماني الشهير "يوليوس قيصر" في الحرب الأهلية الدائرة في مصر، وشكل تحالف مع كليوباترا السابعة ضد كلٍ من بطليموس الثالث عشر وزوجته أرسينوي الرابعة.
خلال سلسلة المعارك التي نشبت بين الطرفين شن قيصر غارة بحرية على الإسكندرية تهدم على إثرها جزء كبير من المكتبة الكبرى، بسبب اشتعال حريق هائل تسبب في إتلاف دار صناعة السفن وما جاورها من المباني ومنها مكتبة الإسكندرية.
بعد إحتراق المكتبة الكبرى وتهدمها، أصبحت المكتبة الصغرى الموجودة في السيرابيوم المركز الأساسي للكتب في الإسكندرية.
كانت مكتبة الإسكندرية القديمة سبباً في ازدهار المعرفة والاكتشافات العلمية بشكل لم تعرف له البشرية مثيلاً حتى القرن السادس عشر الميلادي، لذا يعتبر إحياء مصر لفكرة المكتبة القديمة وإنشاء مكتبة الإسكندرية الجديدة من أهم الأحداث في بداية الألفية الثالثة.
قد يعجبك: الإسكندرية البطلمية مدينة متعددة الأعراق