recent
أحدث الموضوعات

سرابيوم الإسكندرية

منطقة سرابيوم الإسكندرية


يُعد معبد "السرابيوم" من أهم آثار مدينة الإسكندرية على مر العصور، بناه البطالمة ليكون داراً للعبادة تجمع بين الإغريق والمصريين من خلال عقيدة جديدة، ثم أضاف إليه أباطرة وولاة الرومان، وفي نهاية القرن الرابع الميلادي وبعد انتشار المسيحية في مصر، قام المصريون بهدمه مع الكثير من المباني الأخرى التي كانت تمثل الوثنية.

الموقع

يقع السرابيوم في الحي الوطني أو حي "راقودة"، تلك القرية التي كانت النواة الأولى لتأسيس مدينة الإسكندرية.

وبعد تأسيس الإسكندرية عُرِفت تلك المنطقة باسم "أكروبوليس" ، أي المكان المرتفع الذي تقام فيه المعابد والأبنية الدينية، وبالطبع فإن معبد "السرابيوم" كان أهم المباني الموجودة فوق أكروبوليس الإسكندرية.

يقع السرابيوم فوق "تل باب سدره" بين مدافن المسلمين المعروفة بـ "مدافن العمود" و "هضبة كوم الشقافة الأثرية".

سبب إنشاء المعبد

بعد موت الإسكندر الأكبر، تم تقسيم امبراطوريته الواسعة فيما بين قواده الذين حكموا لفترة صغيرة باسم أخيه غير الشقيق وابنه، ثم سرعان ما نصبوا أنفسهم ملوكاً مستقلين، فكانت مصر من نصيب أحد هؤلاء القادة وهو "بطليموس" .
سعى بطليموس لإشراك المصريين والإغريق في كافة مجالات الحياة، بما يسهم في تقدم دولته الجديدة، وكان يدرك أن الدين يمثل أهمية قصوى للأمتين المصرية والإغريقية، فعمل بطليموس على إنشاء ديانة جديدة تحقق متطلبات كلا الشعبين.

ولتحقيق هذا الغرض شَكَّل بطليموس لجنة عليا من رجال الدين المصريين والإغريق، ترأس الجانب المصري الكاهن الشهير "مانيتون" Manetho ، أما الجانب اليوناني ترأسه الكاهن "تيموثيوس" Timotheus .

بعد الكثير من المناقشات وتبادل الأفكار، استقر الرأي على أن يكون محور الديانة الجديدة هو الثالوث المقدس المكوَّن من الإله "سيرابيس" ، وزوجته الإلهة "إيزيس" ، وابنهما الإله "حربوقراط".

كان "سيرابيس" هو نفسه الإله المصري "أوزر حابي" Osir-Hapi ، وكان معروفاً لدى الإغريق، واطلقوا عليه Oserapis ، وقد اشتق اسم "سيرابيس" من العجل أبيس الذي يتحد مع الإله "أوزوريس".

واستقر رأي رجال الدين على تصوير سيرابيس بشكل رجل ملتحي تشبه ملامحه الإله "زيوس" كبير آلهة اليونان.

وقام بطليموس الأول بإنشاء معبد خاص بهذه الديانة الجديدة، ألا وهو معبد السرابيوم، وكان في البداية بناءً بسيطاً شُيد على الطراز الإغريقي، ثم أضيفت إليه الكثير من العناصر المعمارية المصرية فيما بعد.

الجدير بالذكر أن "بطليموس الثالث" قد أعاد تأسيس المعبد وحوله من مبنى بسيط إلى معبد رائع يزخر بالعناصر المعمارية الجذابة.

وصف المعبد

 كان المعبد يأخذ شكلاً مستطيلاً على نمط المنازل اليونانية، حيث يوجد المدخل ناحية الشرق، وكان طول ضلعه من الشرق إلى الغرب 77 متر، بينما بلغ طول الضلع من الشمال إلى الجنوب 87 متر.

وكان قدس الأقداس يحتوي على تمثال ضخم للإله "سيرابيس" -مصنوع بدقة ومرصع بالأحجار الكريمة- في هيئته اليونانية، وتوجد نسخ عديدة من هذا التمثال في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية.

كان تصميم المعبد في مجمله على الطراز اليوناني، وقام بتصميمه مهندس يوناني يُدعى بارمنيسكوس Parmeniscus ، وكان يحتوي على أعمدة كبيرة في جوانبه الأربعة، ويتميز بمداخله الشامخة.
كان السرابيوم يضم مكتبة كبيرة سُميت بـ "المكتبة الصغرى" ، حتى يسهل التفريق بينها وبين مكتبة الإسكندرية الكبرى.

لم يبق من المعبد سوى مجرد أطلال، وعلى الرغم من ذلك فإننا نعرف الكثير عن وصفه من خلال كتابات المؤرخين القدامى، فالجزء العلوي بالتل يوجد فيه "عمود السواري" ، أما الجزء السفلي ففيه ممرات ودهاليز تحت الأرض، ويوجد هيكل الإله "سيرابيس" الذي يتوسطه تمثال للإله.

تم بناء السرابيوم من الأحجار، وكسيت بالرخام، بالإضافة لزخرفته بالرقائق الذهبية والفضية والبرونزية، وقد زُين مدخله بمسلتين، وفي داخل الساحة المقدسة كانت توجد نافورة وحوض، كما وُجدت حمامات وأبنية لحمل أنابيب المياه.

حفائر أجريت في السرابيوم

كان بوتي Botti هو أول من قام بحفائر في منطقة السرابيوم في عام 1895م ، وهو مكتشف تمثال العجل أبيس الموجود حالياً بالمتحف اليوناني الروماني.

أما ثاني من قام بالحفائر في تلك المنطقة هو آلان رو Alan Rowe ، وكان مديراً للمتحف اليوناني الروماني، وقد عثر على مجموعات من ودائع الأساس، وكانت كل مجموعة مكونة من عشر لوحات، واحدة من الذهب والثانية من الفضة، والثالثة من البرونز، أما الرابعة فمن طمي النيل، والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة من عجينة زجاجية، أما العاشرة فكانت من الذهب، وقد كتبت عليها باللغتين المصرية القديمة واليونانية، عبارات لتمجيد ملوك البطالمة.

الآثار الأخرى في منطقة السرابيوم

من أهم الآثار المتبقية في منطقة السرابيوم، ذلك النصب التذكاري الضخم المسمى بـ "عمود السواري".


على الجهة اليمنى قبل الوصول إلى قاعدة عمود السواري يوجد تمثال كبير من الجرانيت تمثل ملكاً تقف خلفه إحدى الإلهات لحمايته، ومن المرجح أنه يعود لفترة الدولة الحديثة في مصر القديمة.

على يسار عمود السواري، يوجد تمثال من الجرانيت الوردي يمثل جعران وينتمي أيضاً للعصور الفرعونية.

كما يوجد تمثالان من الجرانيت الأحمر الوردي على شكل أبي الهول يرجعان إلى عصر بطليموس السادس، ويوجد تمثال ثالث يمثل أبو الهول أيضاً ولكن بدون رأس، ومصنوع من الجرانيت الأسود، ويرجع إلى عصر الملك "حور محب" أحد ملوك الأسرة الثامنة عشر الفرعونية.

كذلك توجد تماثيل من الجرانيت لكلٍ من "رمسيس الثاني" من الأسرة التاسعة عشر، و"بسماتيك الأول" من الأسرة السادسة والعشرين، وتم جلب أغلب هذه التماثيل من "عين شمس".

كان يوجد في منطقة السرابيوم مقياس للنيل في القرن الثالث ق.م. ، وكان يستخدم لقياس منسوب مياه النيل في العصر البطلمي في وقت الفيضان.

ويوجد إلى الجنوب من عمود السواري حمامات اشتهرت بها مدينة الإسكندرية، وترجع إلى العصر الروماني، وكان يستخدمها الكهنة لتغسيل الزائر قبل الدخول لمنطقة قدس الأقداس بالمعبد.

هدم المعبد

دُمِّر معبد السرابيوم الذي بناه البطالمة أثناء الثورة التي قام بها يهود الإسكندرية خلال فترة حكم الامبراطور الروماني "تراجان" (98-117م) ، وعلى أطلال المعبد البطلمي أقام الامبراطور "هادريان" (117-138م) معبداً آخر، يتضح من خلال وصف مؤرخي القرن الرابع الميلادي أنه كان مربع الشكل ولم يقل فخامة عن سابقه.

في عام 391م وبعد الاعتراف الرسمي بالديانة المسيحية في عهد الامبراطور "ثيودوسيوس"، قام المسيحيون في الإسكندرية بحملة لهدم جميع المعابد والأبنية الوثنية في المدينة، ومنها معبد السرابيوم.

يُقال أن كنيسة تحمل اسم القديس يوحنا قد أقيمت على أنقاض المعبد، ولكنها تهدمت بشكل كامل في القرن العاشر الميلادي.

كان معبد السرابيوم من أهم آثار العالم القديم، وأشاد به العديد من المؤرخين، وكان يأتي في المرتبة الثانية بعد "الكابيتول" الموجود في روما، كما تشير الوثائق إلى أن "السرابيوم" لم يكن فقط مكاناً لتأدية الشعائر الدينية، بل كان بمثابة مركزاً إدارياً كبيراً، وكان يشكل كياناً مستقلاً قائماً بذاته فيما يشبه المدينة الصغيرة.


google-playkhamsatmostaqltradent