recent
أحدث الموضوعات

مذبحة الإسكندرية 11 يونيو 1882م ذريعة بريطانيا لاحتلال مصر

مذبحة الإسكندرية 11 يونيو 1882م ذريعة بريطانيا لاحتلال مصر

في مثل هذا اليوم 11 يونيو في عام 1882م اندلعت في الإسكندرية موجة من أعمال العنف والقتل المتبادل بين المصريين، والأوروبيين المقيمين في الإسكندرية، فيما عُرِف بمذبحة الإسكندرية، إثر خلافٍ نشب بين مواطن مصري وآخر أوروبي، انتهى بقتل المصري، لتبدأ بعدها حالة من الفوضى وعمليات القتل المتبادل.
مذبحة الإسكندرية 1882

اتجهت أصابع الاتهام في تدبير تلك الأحداث إلى بريطانيا، التي كان أسطولها متمركزًا في البحر المتوسط بالقرب من سواحل الإسكندرية، وقام بعد شهر من تلك الأحداث بقصف المدينة، وتدميرها، واحتلال مصر بالكامل، بدعوى عدم قدرة الأمن المصري على حماية مصالح بريطانيا ورعاياها.

الأوضاع في مصر قبل مذبحة الإسكندرية

في نهاية القرن الثامن عشر، كانت الدولة العثمانية قد بدأت في التداعي، وضعفت سيطرتها على ولاياتها المختلفة، ومنها مصر، وفي الوقت نفسه كانت بريطانيا وفرنسا في حالة من التنافس الاستعماري، وبعد خسارة فرنسا لمستعمراتها في الهند لصالح الإنجليز، قامت بتوجيه حملة لاحتلال مصر في عام 1798م، وذلك بهدف قطع طرق التجارة بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند، ولكن تلك الحملة لم تنجح في تحقيق كامل أهدافها، وواجهتها العديد من المشاكل، وتم طردها من مصر في 1801م على يد تحالفٍ عثماني بريطاني.

وفي 1805م وصل إلى سدة الحكم في مصر ضابط ألباني يُدعى محمد علي، كان من ضمن القوة العثمانية التي تم إرسالها لمصر لطرد الفرنسيين، وقد نجح محمد علي خلال فترةٍ قصيرة، في القضاء على كل خصومه السياسيين، والانفراد التام بالحكم.


وقد أظهر محمد علي باشا ميلًا كبيرًا نحو فرنسا، ومنحها امتيازات كبيرة داخل مصر، فضلًا عن تعزيز التعاون التجاري والثقافي معها.

اهتم محمد على بإنشاء جيشٍ قوي، وبمرور الوقت ظهرت طموحاته التوسعية، واستعانت الدولة العثمانية به لقمع الثورات، والتهديدات في الجزيرة العربية، وبلاد اليونان. إلا أن النشاط العسكري الكبير لمحمد علي أزعج الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، فتحالفت ضده ودمرت أسطوله بالكالمل في معركة نافارين عام 1827م ، ثم جردته من الشام وألزمته بتقليص أعداد جيشه بموجب معاهدة لندن 1840م.

زاد نفوذ بريطانيا وفرنسا داخل مصر بعد وفاة محمد علي، وفي عهد خلفائه أصبح قنصلا بريطانيا وفرنسا يتدخلان بشكلٍ واضح في تسيير أمور الدولة، التي أصبحت غارقة في الديون في عهد الخديوي إسماعيل على وجه الخصوص، وكانت تلك الديون ذريعة لزيادة التدخل الأجنبي في البلاد.

كان تدخل بريطانيا وفرنسا في الشأن الداخلي المصري قد وصل ذروته، حتى إن رعاياهما كانوا لا يخضعون للمحاكم المصرية، وكانت لهم محاكم خاصة بهم، كما كان يوجد وزيران بريطاني وفرنسي ضمن تشكيل الحكومة المصرية.

وفي ظل تلك الأوضاع المتردية، ومع خلع الخديوي إسماعيل، وتولي ابنه توفيق الحكم في 1879م، ظهرت داخل الجيش حركة وطنية يقودها أحمد عرابي، وتدعو لتقليص النفوذ الأجنبي، وقد حاول الخديوي توفيق الإطاحة بعرابي أكثر من مرة، ولكنه فشل في ذلك.

كانت بريطانيا ترى أن عرابي يمثل تهديدًا لمصالحها، فعقدت العزم على أن تقضي عليه، وتدخل مصر وتحتلها بذريعة حماية مصالحها التجارية، وتأمين رعاياها.

تفاصيل مذبحة الإسكندرية

في 11 يونيو 1882م نشبت مشاجرة بين مصري ومالطي من أتباع الحكومة البريطانية، بسبب الخلاف على أجرة حمار، حيث ركب ذلك المالطي مع المكار (صاحب الحمار) المصري، وبعد ساعات من الطواف في أنحاء مختلفة من الإسكندرية، أعطاه أجره قرشًا واحدًا فقط!
بعد أن نزل المالطي دخل إحدى الخمارات وتبعه صاحب الحمار، ودار بينهما نقاش حاد، ثم تناول المالطي سكينة كانت معلقة داخل الخمارة وطعن المصري وقتله.

وقد ذكر الشيخ محمد عبده في مذكراته أن ذلك الرجل المالطي كان يعمل سكرتير عند السير تشارلز كوكسون القنصل الإنجليزي بالإسكندرية، وبحسب محمود عباس العقاد ولويس عوض فإن الرجل المالطي كان شقيق سكرتير السير كوكسون؛ مما يزيد الشكوك حول ضلوع بريطانيا في ترتيب أحداث تلك الفتنة.

وعندما تجمع بعض أقارب المصري المقتول عند الخمارة، بادرهم مجموعة من الأوروبيين المسلحين بإطلاق النار، وهجموا عليهم، فقُتل من قُتِل وجُرِح من جُرِح، وعندها تحول الأمر إلى فتنة مشتعلة في ظل تقاعس أمني واضح؛ حيث انطلق المصريون في الشوارع يسطون على كل أجنبي يجدونه في طريقهم، ويوسعونه ضربًا بالعصي والهراوات، وانطلقوا ينهبون مخازن ومنازل الأوروبيين، وقتلوا العشرات منهم.

يروي لنا محمد سليم النقاش -وهو أديب لبناني كان يعيش في الإسكندرية في ذلك الوقت- جانبًا من تلك الأحداث الدموية، بقوله إن المصريين الثائرين كانوا يضربون كل من رأوا قبعة على رأسه (زي الأوروبيين) ضربًا أليمًا ويطرحونه أرضًا غارقًا في دمائه، ويستولون على ما معه من مالٍ وحلي.


استمرت عمليات القتل المتبادل على مدار يومين كاملين، وهناك تضارب في أعداد القتلى الذين سقظوا خلال تلك الأحداث، ولكن المؤكد أن الأعداد كانت بالمئات، والراجح أن عدد القتلى في صفوف المصريين كان أكبر، لأنهم كانوا يستخدمون العصي والهراوي، بينما كان الأوروبيون يستخدمون الأسلحة النارية من طبنجات وبنادق.

كان هناك تقاعس واضح من محافظ الإسكندرية عمر لطفي باشا في احتواء تلك الأحداث، بما يوحي بوجود تآمر من الخديوي توفيق ورجاله، لترك الموقف مشتعلًا كما يرغب الإنجليز.

وقد أوردت أمل الجيار في كتابها يوميات إسكندرية 1882 وجهة نظر جون نينيه عمدة الجالية السويسرية بالإسكندرية وقت وقوع المذبحة، والذي رأى أن الشخص المالطي الذي كان يعمل لدى السفير البريطاني، ما كان إلا أداة لإشعال الفتنة، وأن الأمر برمته كان مبيتًا له، واستند نينيه في ذلك إلى برقية أرسلها القنصل العام البريطاني في مصر السير إدوارد ماليت إلى وزير خارجيته إيرل جرانفيل، قبل الحادثة بنحو شهر، يقول فيها إنه لابد من حدوث تعقيدات قبل الوصول إلى حلول مرضية للمسألة المصرية.

هل كان الخلاف على أجرة الحمار سببًا حقيقيًا للاحتلال الإنجليزي لمصر؟

اتخذت إنجلترا مذبحة الإسكندرية وأحداثها الدامية ذريعةً لقصف المدينة، بعد ذلك بشهرٍ، وتحديدًا في 11 يوليو 1882، ومن ثم احتلال مصر، وتعلل الإنجليز بحماية مصالحهم ورعاياهم في مصر.

في الواقع كانت النية مبيتة من الإنجليز لاحتلال مصر، والدليل تمركز أسطولهم في ميناء الإسكندرية من قبل تلك الأحداث، ثم قيام قائد الأسطول الإنجليزي بتوجيه إنذار لقائد حامية الإسكندرية، بوقف أعمال الصيانة والتحصين التي تجري في قلاع وطوابي الإسكندرية، وإلا أطلق مدافعه عليها، بل وصل الأمر إلى مطالبة الحكومة المصرية بتسليم القلاع.

عملت الحكومة الجديدة التي عينها الخديوي توفيق برئاسة إسماعيل راغب باشا، على تنفيذ مطالب الإنجليز، وحاولت إقناع قائد حامية الإسكندرية بتسليم القلاع لقائد أسطولهم، ولكنه رفض التسليم.

وبعد قيام الإنجليز بضرب المدينة وتدميرها، ونزول جنودهم فيها، قام الخديوي توفيق باستدعاء أحمد عرابي، وحمَّله مسؤولية ضرب الإسكندرية، بسبب إصرار عرابي على تحصين قلاع وطوابي المدينة، ورفضه تسليمها لهم!

كانت مذبحة الإسكندرية حدثًا دمويًا بشعًا، وغير مألوف في المدينة الهادئة، التي اشتهرت منذ نشأتها، بالتعايش والتسامح بين مختلف الأعراق، وكل الشواهد تشير إلى كونه مدبرًا ومفتعلًا، حتى يجد الإنجليز مبررًا لاحتلال مصر.

google-playkhamsatmostaqltradent