recent
أحدث الموضوعات

مصر في عهد البطالمة (1) - بداية دولة البطالمة في مصر

كيف بدأت دولة البطالمة في مصر

مات الإسكندر المقدوني وترك إمبراطورية مترامية الأطراف دون أن يكون له وريث محدد، مما أدى إلى تقسيم أقاليم مملكته الشاسعة فيما بين كبار قادة جيشه، وكانت مصر من نصيب بطليموس، وبتعيينه واليًا عليها، بدأ حكم البطالمة في مصر والذي استمر لثلاثة قرون.
بداية حكم البطالمة في مصر


مازال الغموض يكتنف السبب الحقيقي الذي أدى إلى وفاة الإسكندر الأكبر في بابل في 323 ق.م. ، فلقد تنوعت تحليلات المؤرخين لسبب تلك الوفاة المفاجئة، فمنهم من يرى أنها كانت نتيجة للإفراط الشديد في شرب الخمر، وفريقٌ آخر يرى أن الإسكندر مات مسمومًا، حيث دس له بعض القادة الذين كانوا يضيقون به سمًا في الخمر، كما توجد بعض الآراء الأخرى التي تذهب إلى أن الوفاة نتجت عن حمى شديدة أصابت الإسكندر.

انقسام الآراء حول تحديد خليفة الإسكندر

مع الموت المفاجئ للإسكندر بمعسكره في بابل، وفي وجود جميع قادة جيشه؛ حدث خلافٌ كبير حول من سيخلفه على عرش ملكه الشاسع، ومن الأسباب التي جعلت الأمر معقدًا، أن الإسكندر لم يكن قد ترك وريثًا لعرشه إلا طفلًا يُدعى هيراكليس من جاريته بازين، بينما كانت زوجته الفارسية روكسانا حاملًا، وتنتظر أن تضع مولودها بعد ثلاثة أشهر.
انقسمت آراء قادة الجيش، فكان برديكاس أكبر قادة الإسكندر يرى انتظار مولود روكسانا، وقد واجه هذا الرأي اعتراضًا من جانب بعض القادة، حيث رفضوا أن يكون ملكهم الجديد ابنًا لأمرأةٍ آسيوية.

في محاولة لاحتواء هذا الخلاف، تدخل ايمنيس أحد المقربين من الإسكندر، واقترح تنصيب الأخ غير الشقيق للإسكندر فيليب أرهيدايوس على تلك الإمبراطورية الشاسعة.
وقد برز في تلك الأثناء رأيًا مختلفًا تبناه أحد القادة ويُدعى بطليموس بن لاجوس، حيث اقترح أن يُترك العرش خاليًا، وأن يتولى كل قائد في جيش الإسكندر حكم أحد أقاليم الإمبراطورية، بموجب تفاهم واتفاق يتم فيما بينهم من أجل هذا الغرض.

ونستطيع أن نستنج ما كان يصبو إليه بطليموس من خلال هذا الاقتراح، فمن الواضح أنه قد وضع حكم أحد الأقاليم في إمبراطورية الإسكندر نصب عينيه، ويتضح ذلك أيضًا في محاولاته للتوسط بين برديكاس والقادة المناوئين له، لتمرير اتفاق يرضى عنه الجميع، ولم يكن بطليموس محايدًا تمامًا، حيث كان يميل إلى جانب برديكاس لأنه متأكد من كونه القائد الأكثر نفوذًا، وبالفعل حفظ برديكاس هذا الجميل لبطليموس، فمع تنصيب أرهيدايوس -الذي كان يعاني اضطرابًا عقليًا- ملكًا، تم تنصيب برديكاس قائدًا عامًا للإمبراطورية، ونائبًا للملك، ومشرفًا عليه؛ قام هذا الأخير بتولية القادة على الأقاليم المختلفة من الإمبراطورية، فقام بتعيين بطليموس واليًا على مصر.

تعيين بطليموس واليًا على مصر

يبدو أن تعيين بطليموس واليًا لمصر لم يجعله حاكمًا منفردًا لها، فقد نص قرار التعيين الذي أصدره برديكاس باسم الملك فيليب أرهيدايوس على أن يكون كليومنيس شريكًا لبطليموس في حكم مصر، وكان كليومنيس هذا قد تم تعيينه من قِبل الإسكندر وكيلًا عنه في جمع الضرائب بمصر، وملاحظًا لأعمال البناء في الإسكندرية.

لم يكن بطليموس متقبلًا لتلك الوضعية، وكان يهدف إلى الإنفراد الكامل بولاية مصر، وفي تلك الأثناء ظهرت نوايا برديكاس في تجريد الملك فيليب الرابع أرهيدايوس من كافة سلطاته، والاستئثار لنفسه بكافة السلطات، وهو ما قوبِل برفض حكام الأقاليم المختلفة، وبدأت الصراعات تنشأ بينهم وبين برديكاس.

يبدو أن بطليموس الذي رافق الإسكندر خلال غزوه لمصر، ورحلته إلى معبد آمون في سيوة، -ودوَّن ذلك في مذكراته- قد فطن إلى أن هذا الإقليم (مصر) سيكون بعيدًا عن الإقليمين اللذين يمكن أن يصبحا مركزًا لإمبراطورية الإسكندر وهما بابل ومقدونيا، وعلى هذا الأساس دارت المساومات بينه وبين برديكاس، فالدعم الذي سيقدمه له بطليموس ليكون نائبًا عن الملك ومشرفًا عليه، يجب أن يكون ثمنه ولاية مصر تحديدًا.

استغل بطليموس انشغال برديكاس والقادة الآخرين بالخلافات التي نشأت بينهم، ليتخلص من كليومنيس، فالسياسات المالية التي اتبعها هذا الأخير تسببت في حالة من السخط الشديد عند المصريين، لذا قام بطليموس بإعدام كليومنيس متهمًا إياه بالمبالغة في جمع الضرائب، بل وجمعها لحسابه الخاص.
كان التخلص من كليومنيس هو الخطوة الأولى لتوطيد بطليموس لدعائم حكمه في مصر، بل والظهور بمظهر الحاكم المتعاطف مع شعبه.

 نقل جثمان الإسكندر إلى مصر

أجمع المؤرخون على أن نقل جثمان الإسكندر المقدوني إلى مصر يُنسب لبطليموس، فعقب وفاة الإسكندر في بابل اجتمع قادة جيشه لمناقشة عدة أمور من بينها مسألة دفن الإسكندر، وقد عهِد برديكاس إلى أرهيدايوس شقيق الإسكندر بالإشراف على الترتيبات الخاصة بالموكب الجنائزي.

وقد استغرقت تلك الترتيبات ما يقرب من عامين، حيث تم تحنيط جثمان الإسكندر على الطريقة الفرعونية، بأيدي مجموعة مختارة من الكهنة المصريين، وذلك بناءً على رغبة كان قد أبداها الإسكندر لكبار قادة جيشه في أثناء حياته، وكان أيضًا قد أبدى رغبته في أن يُدفن في سيوة، ومن غير المستبعد أن يكون الإسكندر قد وضع بنفسه أساسًا لمقبرة له في سيوة أثناء زيارته لمعبد الإله آمون الموجود بها، وذلك على غرار ما كان يفعله ملوك الفراعنة من تشييد مقابرهم خلال فترة حياتهم.

تم تجهيز عربة ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة، ومنقوش عليها صور تبرز بعض معارك الإسكندر، وذلك لتحمل التابوت الذهبي، الذي وُضِع بداخله الجثمان.

خلال اجتماع القادة، رأى برديكاس دفن الإسكندر في المقبرة الملكية المقدونية في فرجينيا، على اعتبار أن مقدونيا هي مسقط رأس الإسكندر.

كان من المقرر أن يتجه موكب الجنازة الذي خرج من بابل، إلى ميناء صيدا في سوريا، ثم يتجه من هناك إلى مقدونيا، بعد أن يتم وضع التابوت الذهبي داخل تابوت رخامي آخر، وعلى الأرجح فذلك التابوت الرخامي هو الذي تم اكتشافه في صيدا عام 1887م، وقد نُقِش عليه اسم الإسكندر، ونُفِذت عليه بالنحت البارز إحدى معاركه ضد الفرس.

تم تحويل مسار الجنازة إلى مصر بناءً على اتفاقٍ مسبق بين بطليموس وفيليب أرهيدايوس وبعض القادة الآخرين، الذين أرادوا تنفيذ وصية الإسكندر بدفنه في سيوة، ولكن الواضح أن بطليموس كان يرمي لأهدافٍ أخرى أكثر من مجرد تنفيذ وصية الإسكندر، حيث قام بتحوبل مسار الموكب الجنائزي إلى الطريق البري المؤدي إلى مدينة منف، كما أورد المؤرخ بوزانياس، ومن المحتمل أن يكون بطليموس قد فعل ذلك للأسباب الآتية:
  1. توقع بطليموس أن يحاول برديكاس خطف جثمان الإسكندر، وهو ما سيكون أمرًا سهلًا في حالة دفنه في سيوة المترامية الأطراف والبعيدة عن العاصمة منف.
  2. نظرًا لكون منف هي عاصمة مصر في ذلك الوقت، فكان من الطبيعي أن يتم دفن جثمان الإسكندر فيها ليبقى تحت إشراف وملاحظة بطليموس.
  3. بقاء الجثمان في منف سيكون أمرًا مؤقتًا، نظرًا لاستعداد بطليموس لنقل العاصمة إلى الإسكندرية، وبالتالي نقل جثمان الإسكندر إليها ليُدفن في المدينة التي تحمل اسمه.
بالتأكيد كان هدف بطليموس من نقل جثمان الإسكندر إلى الإسكندرية هو إضفاء القدسية على المدينة التي سوف تصبح عاصمة لمملكة يطمح بطليموس لتأسيسها، وبلا شك فإن وجود قبر الإسكندر بالمدينة سيشكل أفضل أنواع الدعاية للعاصمة البطلمية الجديدة، وسيمنح حكم البطالمة في مصر شرعيةً غير محدودة.

وقد ذكر كلٌ من سترابون و ديودورس الصقلي أن الإسكندر دُفِن في مكانٍ داخل القصر الملكي بالإسكندرية، وهو المكان الذي ضم أيضًا رفات بعض ملوك البطالمة.

مصر في عهد البطالمة (2) - بطليموس الأول واليًا على مصر
google-playkhamsatmostaqltradent