حلقة السمك في الإسكندرية .. معلم أثري وليس مجرد سوق للأسماك
لطالما كان كل شبر على أرض الإسكندرية شاهدًا على التاريخ العريق لتلك المدينة الساحرة، فالشوارع والأبنية تؤرخ لعصورٍ مختلفة، وتُبرز أنماط حياة متعددة، عرفتها عروس البحر المتوسط على مر العصور.
ولا عجب أن تكون الأسواق الموجودة في الإسكندرية عبارة عن معالم تاريخية في حد ذاتها، لذا سنعرض عليكم اليوم من خلال موقع يوميات الإسكندرية، معلوماتٍ هامة عن أحد أشهر أسواق الأسماك بالمدينة أو ما يُطلق عليه حلقة السمك.
قد يعجبك: صهاريج المياه في الإسكندرية
تاريخ حلقة السمك
أدرك والي مصر محمد علي باشا الأهمية القصوى لثغر الإسكندرية، فعمِل على تعمير وتطوير الميناء الغربي، كما شيد سراي رأس التين (ما يُعرف حاليًا بقصر رأس التين)، وبالقرب من هذا القصر، ومن قلعة قايتباي أيضًا، في منطقة تُعرَّف بالأنفوشي، كان الصيادون يجتمعون ويجلسون بشكلٍ دائري في الصباح (من هنا جاءت التسمية) لبيع ومقايضة ما معهم من الأسماك، وكان مكان اجتماعهم هو نفسه المكان الذي تأسست فيه حلقة السمك فيما بعد.
في منتصف القرن التاسع عشر صدر قرار بتأسيس مبنى حلقة السمك، وذلك بهدف تجميع الصيادين وتجار الأسماك في مكانٍ واحد، لتلافي حدوث المشاكل والنزاعات، ولضمان عدم وصول رائحة الأسماك للسكان المجاورين، وتأذيهم منها، والأهم من ذلك أن مكان حلقة الأسماك كان على الطريق الذي يمر منه الوالي عند توجهه إلى سراي رأس التين.
حلقة السمك في مرمى مدافع الاحتلال البريطاني
مع وصول قوات الاحتلال البريطاني واجتياحها الإسكندرية في 1882م ، كانت منطقة رأس التين من أولى المناطق التي تعرضت لقصف المدفعية البريطانية، ونتج عن ذلك دمارٌ كبيرٌ لكل الأبنية بالمنطقة.
لذا فإنه يُعتقد بأن مبنى حلقة السمك في هيئته الحالية يرجع إلى نهايات القرن التاسع عشر، أي بعد استقرار الاحتلال البريطاني في مصر بعدة سنوات.
قد يعجبك: مذبحة الإسكندرية 1882 ذريعة بريطانيا لاحتلال مصر
وفي بدايات القرن العشرين، وتحديدً خلال فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، تحولت حلقة السمك إلى ما يُشبه الثكنة العسكرية، حيث كان الإنجليز يستغلون كل المباني والمواقع الهامة لأغراضٍ عسكريةٍ، وكان موقع حلقة السمك القريب من الميناء سببًا في استخدام القوات البريطانية لها كثكنةٍ عسكريةٍ، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار عمليات بيع الأسماك بداخلها.
بورصة تحديد سعر الأسماك
تُعد حلقة السمك مقصدًا لمواطني الإسكندرية من أجل شراء الأسماك الطازجة، كما تستقطب يوميًا في الصباح الباكر تجار الأسماك الذين يشرعون في شراء طاولات من أنواع الأسماك المختلفة من خلال مزادات تُجرى داخل الحلقة.
وحلقة السمك هي بمثابة البورصة لتحديد أسعار الأسماك، نظرًا لكونها المحطة الأولى التي يتم فيها تجميع الصيد الآتي من البحر، كما تلعب المنافسة الشديدة بين التجار خلال المزادات دورًا هامًا في تحديد الأسعار.
وحتى مع التوسع في إنشاء المزارع السمكية خلال الآونة الأخيرة، لم تفقد حلقة السمك أهميتها، نظرًا لتميز أسماك البحر التي تُباع فيها، وتفضيل أهل الإسكندرية لها على أسماك المزارع.
قد يعجبك: أجمل حدائق الإسكندرية
مشروع تطوير حلقة السمك
في السنوات الأخيرة بدأت حلقة السمك في التدهور، فالمبنى التاريخي أصبح متهالكًا بفعل مياه الصرف، كما انتشرت القمامة في محيط الحلقة، وفي الشوارع المجاورة لها.
وخلال زيارته لحلقة السمك في 2020، أعلن اللواء محمد الشريف محافظ الإسكندرية عن قرار بتطوير حلقة السمك، لتظهر بالمظهر الذي يليق بمدينة الإسكندرية، مؤكدًا على أن عددًا من الهيئات بالمحافظة على وشك الانتهاء من دراسة مشروع تطوير الحلقة، عبر الاستعانة بخبراء متخصصين.
أعقب ذلك في سبتمبر من نفس العام موافقة مصطفى مدبولي رئيس الحكومة المصرية على تنفيذ مشروع تطوير حلقة السمك بالإسكندرية، من خلال استغلال قطعة الأرض المجاورة لها.
وذكر مجلس الوزراء في بيانٍ له أن تكلفة المشروع تصل إلى 100 مليون جنيه، وأن التنفيذ سيتم على مرحلتين: المرحلة الأولى تشمل إنشاء منطقة خدمية متكاملة لأسواق القطاعي والجملة في الأرض المجاورة للحلقة، أما المرحلة الثانية فستشمل إقامة عددٍ من المصانع والمخازن وثلاجات الأسماك.
قد يعجبك: طواحين الهواء في الإسكندرية