recent
أحدث الموضوعات

مصر في عهد البطالمة (4) - انتقال الحكم إلى بطليموس الثاني

مصر في عهد البطالمة (4) - انتقال الحكم إلى بطليموس الثاني  

كان بطليموس الأول في أواخر فترة حكمه قد أشرك ابنه بطليموس الثاني معه في الحكم، ليكون وريثًا وخليفةً له، ولم يكن بطليموس الثاني هو أكبر أبناء بطليموس الأول، إلا أنه كان المحبب والمفضل لديه، أما أمه فهي الملكة برنيكي الأولى.

تمثال بطليومس الثاني أمام مكتبة الإسكندرية


خاض بطليموس الأول حروبًا عنيفة حتى يثبت دعائم حكمه في مصر، كما أرسى نظامًا إداريًا قويًا في الداخل، ومع تقدمه في العمر استقر على اختيار ابنه بطليموس الثاني ليكون خليفته، فعمد إلى اشراكه في الحكم، ليدربه على نظام المُلك، كما جعله مطلعًا على ما كان يدور بين مصر والدول المجاورة التي انبثقت عن امبراطورية الإسكندرالمقدوني.


المقالات السابقة من سلسلة (مصر في عهد البطالمة)

(1) بداية دولة البطالمة في مصر

(2) بطليموس الأول واليًا على مصر

(3) بطليموس الأول ملكًا على مصر


نال بطليموس الثاني تعليمًا مميزًا، حيث عهد والده إلى أفضل المعلمين والعلماء في عصره مهمة تربية ولي عهده، وكان منهم الفيلسوف الشهير ستراتو الذي كان منتميًا لمدرسة أرسطو، فنشأ بطليموس الثاني ملمًا بالفلسفة والآداب الإغريقية، وكان مولعًا بالفنون، ومهتمًا بالجغرافيا والتاريخ الطبيعي.


تولي بطليموس الثاني حكم مصر

بعد وفاة أبيه، اعتلى بطليموس الثاني عرش مصر منفردًا وهو لا يزال شابًا في الخامسة والعشرين من عمره، حيث ورث مملكة قوية ومستقرة داخليًا، ومع ذلك كان عليه مواجهة الأخطار الخارجية التي لم تزل قائمة، فجميع الدول التي انبثقت عن إمبراطورية الإسكندر دخلت في سلسلة من الحروب الطاحنة فيما بينها، وتبادلت السيطرة على الأراضي والأقاليم؛ وليس ذلك فحسب، بل إن بطليموس الثاني قد واجه تهديدًا مبكرًا من جانب أخيه غير الشقيق الذي يكبره بطليموس كيراونوس.


بطليموس كيراونوس وسعيه لحكم مصر

كان بطليموس كيراونوس (وتعني الصاعقة) هو الابن البكر لبطليموس الأول، وأمه هي الملكة ايرديكي، وقد غادر الإسكندرية هو وإخوته، فور قيام بطليموس الأول بتسمية ابنه الآخربطليموس الثاني وليًا للعهد، متجاوزًا بذلك كيراونوس الذي يفترض أنه كان صاحب الحق الشرعي في وراثة ملك أبيه.


قد يعجبك: النزعة الكوزموبوليتانية في حروب الإسكندر المقدوني


هرب كيراونوس إلى تراقيا، واستغاث بحاكمها ليسيماخوس الذي أجاره، ونشأت بينهما علاقة مصاهرة، حيث تزوج أجاتوكليس ابن ليسيماخوس من ليسندرا أخت بطليموس كيراونوس، وكان هذا الأخير عازمًا على استرداد حقه الشرعي في حكم مصر، إلا أن الظروف لم تسعفه حيث نشبت نزاعات داخلية قوية داخل الأسرة الحاكمة في تراقيا انتهت بمؤامرة قتل أجاتوكليس ابن ليسيماخوس، ليهرب كيراونوس وأسرته إلى أنطاكية التي كانت تخضع لحكم سيلوقس، وقد رحب سيلوقس به وتعامل معه باعتباره الوريث الشرعي لحكم مصر، حيث كان ينتظر وفاة بطليموس الأول الطاعن في السن، ليخلع بطليموس الثاني من حكم مصر ويسلم الحكم إلى بطليموس كيراونوس الذي استجار به.


بنى بطليموس كيراونوس آمالًا كبيرةً على وعود سيلوقس، إلا أنه تلقى صدمةً قاسيةً، فعقب وفاة بطليموس الأول، لم يفِ سيلوقس بوعده، ففضل غزو بلاد آسيا الصغرى على غزو مصر، ومع توغل سيلوقس في آسيا الصغرى واستيلائه على ممتلكات ليسيماخوس فيها، قام كيراونوس بطعنه، ليسقط قتيلًا، وينطلق بعدها بطليموس كيراونوس إلى مدينة ليسيماخيا، حيث بايعه الجيش المقدوني حاكمًا على مقدونيا، حيث كان ذلك إيذانًا بتخليه عن مطالبه السابقه بحكم مصر، بل أنه راسل أخاه بطليموس الثاني يدعوه للتحالف معه والوقوف معًا ضد أعداء أبيهم (سيلوقس وخلفائه)، وقد رحب بطليموس الثاني بذلك، لينتهي الخطر الذي كان يمثله بطليموس كيراونوس، الذي لقى حتفه بعد عامين من اعتلائه عرش مقدونيا، خلال حروب القبائل الغالية ضد مقدونيا وبلاد اليونان.


قد يعجبك: الإسكندرية البطلمية مدينة متعددة الأعراق


شخصية بطليموس الثاني

تشير المصادر إلى أن بطليموس الثاني كان رجلًا منعمًا، وعاش حياة الترف والبذخ، كما كان محبًا للعلم والإطلاع، ومع ذلك لم يكن متعمقًا بقوة في أحد العلوم، كما عُرِف عنه أيضًا أنه كان صديقًا مقربًا لليهود.

على عكس والده المحارب المخضرم، كان بطليموس الثاني يميل إلى الملذات، وينفق بسخاء على شهواته، فمما روي عنه أنه كان يمتلك أسطولًا نيليًا فخمًا، لقضاء السهرات الصاخبة والليالي الحمراء.

وقد أنشأ في حديقة قصره في الإسكندرية ما يشبه حديقة الحيوانات، حيث كان مولعًا باقتناء الحيوانات النادرة من شتى بقاع الأرض، كما كان حريصاً على إقامة الاحتفالات والاستعراضات التي تجوب شوارع الإسكندرية ويشارك فيها الجنود والعبيد والممثلين، لينقل إلى الشعب صورة عما كان فيه هذا الحاكم من ثراءٍ وسلطانٍ.


وقد تفسر لنا بعض جوانب شخصية بطليموس الثاني السبب الحقيقي وراء عدم قيامه بقيادة جيشه بنفسه خلال الحروب التي خاضها، ولكن على الرغم من ذلك كان هذا الملك صاحب رؤية إقتصاية مميزة، وكان حريصًا على إنجاز العديد من المشاريع الإقتصادية المبتكرة، كما كان يمتلك عقلًا رياضيًا، يمكنه من القيام بعمليات حسابية معقدة بسهولة ودقة.


الثابت بلا شك أن مصر قد وصلت إلى مرحلة من الازدهار غير المسبوق في عهد بطليموس الثاني، وأصبحت الإسكندرية مركزًا تجاريًا عالميًا، ومقرًا للاشعاع الحضاري، وقبلة للعلماء والمفكرين من شتى بقاع الأرض؛ ومع ذلك لم ينل المصريون أي نصيب من هذا التقدم الحضاري، حيث كانوا يأتون في أسفل الهرم الاجتماعي المعبر عن المجتمع المصري في تلك الحقبة وما تلاها، وكانوا يعاملون كالعبيد، وتُفرض عليهم ضرائب باهظة، بينما كانت الامتيازات تذهب لصفوة المجتمع من الإغريق والمقدونيين.


قد يعجبك: معركة سلاميس البحرية 306 ق.م.


التالي:

(5) الحرب السورية الأولى


google-playkhamsatmostaqltradent